عجز استثماري تجاه الخارج بـ59 مليار دولار
اخبار سعر صرف الدولار في لبنان
كتب ماهر سلامة في "الأخبار"
للمرة الأولى، نشر مصرف لبنان بيانات «وضعية الاستثمار الدولي» بشكل رسمي «متوافق مع المعايير الدولية». خلاصة التقرير أن صافي وضعية لبنان في «الاستثمار الدولي» سلبية بقيمة 58.8 مليار دولار في نهاية 2024، ما يعني أن التزامات لبنان تجاه الخارج، بكل مؤسّساته العامة والخاصة وأفراده، تفوق ما لديه من أصول في الخارج. يقدّر رصيد الالتزامات التراكمي بنحو 119.3 مليار دولار في مقابل أصول بقيمة 60.5 مليار دولار.
مؤشر «وضعية الاستثمار الدولي» (International Investment Position) هو مقياس يُظهر رصيد الموجودات والالتزامات المالية الخارجية للاقتصاد الوطني في نهاية فترة محدّدة، خلافاً لـ«ميزان المدفوعات» الذي يسجّل التدفقات المالية خلال فترة زمنية. ويتيح هذا المؤشّر، عبر تسجيل الأرصدة (stocks)، توفير نظرة شاملة على صافي ثروة الدولة الخارجية، أي الفرق بين ما يملكه المقيمون في لبنان من أصول مالية في الخارج، وما يترتب عليهم من التزامات تجاه الخارج.
والمقصود بصافي الثروة، أي كل أصول والتزامات القطاع العام، وشركات القطاع الخاص، والأفراد. وتتضمن هذه الأصول الاستثمارات المباشرة في الخارج في الأدوات والأوراق المالية وأسهم الشركات ورؤوس الأموال، والقروض بين الشركة الأم والفروع التابعة، فضلاً عن الودائع في المصارف الأجنبية، والقروض الممنوحة لمقيمين غير لبنانيين، والحسابات التجارية، والأصول الاحتياطية مثل الذهب والنقد وحقوق السحب الخاصة وأرصدة مصرف لبنان بالعملات الأجنبية المودعة في الخارج… أما المطلوبات الخارجية، فهي كل ما يدين به المقيمون في لبنان للخارج سواء على شكل استثمار أجنبي مباشر في لبنان، واستثمارات خارجية في الأوراق المالية الصادرة في لبنان عن الدولة والقطاع الخاص وودائع غير المقيمين في المصارف اللبنانية، والقروض الخارجية المترتبة على لبنان أو مؤسّساته وغيرها.
إن وضعية العجز في هذا المؤشّر، تشير إلى اعتماد مفرط على الاستثمارات والديون الخارجية لتمويل الاقتصاد. كما تعني أن البلد أكثر عرضة للصدمات المالية الخارجية، إذ يمكن للمستثمرين سحب أموالهم أو رفض تجديد التمويل. كما إن المجالات التي تصبّ فيها هذه الاستثمارات والديون تقدّم فكرة واضحة عن البنية الاقتصادية للبنان والقدرة على خلق القيم المضافة والوظائف والاستدامة والنموّ بشكل عام.
فعلى سبيل المثال، يستفيد لبنان من عائدات الاستثمار في الخارج سواء أكان أسهماً أم سندات أم شراكات أم عقارات، ولكن عندما تتحوّل هذه العائدات إلى لبنان فإنها تصبح تدفقات أو مدخرات يمكن تحويلها إلى استثمارات محلية.
لكن أي استثمارات خارجية أو لبنانية تصبّ محلياً في مجال العقار والأوراق المالية والسندات بشكل كبير، فإنها تسهم في تضخيم الدورة غير الإنتاجية وهي لا تخلق قيم مضافة وربما تؤدي إلى سحب المزيد من الأموال، بخلاف ما يمكن أن تكون عليه إذا أسهمت هذه الاستثمارات في صناعة الأدوية مثلاً أو صناعة الغذاء أو في مشاريع زراعية أو في قطاع المجوهرات أو غيرها من القطاعات الإنتاجية التي تخلق الوظائف وتحقق قيماً مضافة في الاقتصاد تتحوّل إلى أرباح أو تصدّر إنتاجاً ما مقابل دخول المزيد من العملة الأجنبية.
هذان مساران مختلفان تماماً في المفاعيل وإن كان الشكل الأساسي لهما هو تدفق أموال من هذا الاتجاه إلى ذاك. نوعية النموّ الذي يمكن أن تخلقه هذه الاستثمارات هو المهم وليس حجمها فقط. وهذا يحصل إذا كانت هذه الاستثمارات تحوّل الإنتاج المحلّي إلى سلع للتصدير تُنتَج منها مداخيل وأرباح ورؤوس أموال يعاد تدويرها في الاقتصاد. هذا هو الفرق بين المقاربة المحاسبية التي تقوم على مبدأ احتساب الأرقام بين الالتزامات والأصول، وبين التدقيق في المسارات والأهداف والنوعية.
إن وضعية العجز
في الاستثمار الدولي تشير إلى اعتماد مفرط على الاستثمارات والديون الخارجية
ما قام به مصرف لبنان يصنّف ضمن المقاربة المحاسبية. وقد أظهرت هذه المقاربة أنه بين 2024 و2023 تراجع عجز «وضعية الاستثمار الدولي» من 61.4 مليار دولار إلى 58.8 مليار دولار. ويستنتج التقرير أن هذا الانخفاض المحدود بـ2.3 مليار دولار، يعكس نوعاً من الاستقرار النسبي.
ويقول التقرير إنه على صعيد الأصول الخارجية، بلغ حجم أصول لبنان في الخارج في 2024 نحو 60.5 مليار دولار، وجاء هذا التحسن مدفوعاً بعوامل عدة أهمها:
– ارتفاع استثمارات اللبنانيين المباشرة في الخارج إلى 15.2 مليار دولار، خصوصاً تلك التي تأتي على شكل رؤوس أموال معاد استثمارها. هذه الأخيرة تشير إلى الأرباح التي تحققها الشركات الأجنبية التابعة أو المشتركة، والتي لا يتم توزيعها على شكل أرباح نقدية للمستثمر الأجنبي، بل يُعاد استثمارها في الشركة نفسها.
– نموّ ملحوظ في حيازة الديون السيادية الأجنبية الطويلة الأمد ضمن محفظة الاستثمارات التي ارتفعت من 806 ملايين دولار في 2023 إلى 1.2 مليار دولار في 2024.
– ارتفاع الاحتياطات الرسمية إلى 34.4 مليار دولار، وأبرز ما فيها ارتفاع قيمة الذهب النقدي إلى 24.1 مليار دولار بعد تعديل تصنيفي من قبل مصرف لبنان استبعد فيه سندات اليوروبوند الحكومية والقروض المقدّمة إلى المصارف من خانة الاحتياطات.
أما على صعيد الالتزامات الخارجية، فقد سجّلت تراجعاً طفيفاً إلى 119.3 مليار دولار، على النحو الآتي:
– ازدادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان بنسبة 2.3% إلى 73.7 مليار دولار، مدفوعة باستمرار اهتمام المغتربين والمستثمرين العقاريين، خصوصاً من دول الخليج.
– تراجعت الالتزامات من المحافظ الاستثمارية إلى 12.4 مليار دولار، بسبب تصنيف السندات الحكومية غير المدفوعة كمتأخرات.
– انخفضت الالتزامات الأخرى إلى 33.2 مليار دولار، نتيجة تراجع القروض والودائع الأجنبية.