سلامة من النبطية: بحاجة الى 11 مليار دولار لإعادة بناء ما تهدم
اخبار سعر صرف الدولار في لبنان
عقد وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة مؤتمرا صحافيا، في مقر المكتبة الوطنية - الصنائع تحت عنوان واقع التراث المعماري في منطقة النبطية بعد حرب 2024 - نتائج واحتياجات بالتعاون مع جمعية بلادي وبحضور المدير العام للآثار المهندس سركيس الخوري، المدير العام للشؤون الثقافية الدكتور علي الصمد، المستشار المعمار جاد تابت، ممثل قائد الجيش رودولف هيكل الجنرال يوسف حيدر ، قائد فوج الاشغال العميد حسن حرقوص ، رئيسة جمعية بلادي جوان فرشخ بجالي وعدد من رؤساء البلديات من النبطية والقرى المجاورة.
استهل وزير الثقافة كلامه بالاشارة الى ما حصل معه شخصيا في تشاد عندما حطه الرحال مع فريق عمله في مطعم خارج المدينة يملكه رجل من منطقة النبطية وعلى احد جدران المطعم صورة لمنزل تراثي حيث وقف امامه يذرف الدمع ويقول :هذا منزل ابي حيث ولد وفيه ولدت انا.
واضاف سلامة: صورة ذلك البيت لم تغادرني يوما، وانا اتساءل معكم وانتظر جوابا ماذا حصل لذلك المنزل وخوفي ما ان يكون قد دُمر مثل كثير من البيوت والاسواق التي دمرت، حيث تابعت يوميًا خلال الخريف الماضي عملية التدمير الممنهج لتراثنا وثقافتنا ، واستطعت ان اذهب واشاهد بعض آثار التدمير في قلعة شمع ومدينة صور، وحرماني الاوضاع الامنية عن زيارة الامكنة التي تعرضت للتدمير على امل ان نعوض عن ذلك قريبا في زيارة مدينة النبطية ومحيطها .
وتابع: صحيح ما ذكره المعمار جاد تابت ان المشروع الاستعماري يتطلب أولًا تدمير ما هو قائم، والا سيبقى ليشير الى شرعية ملكية الارض والحجر.
واردف: وبالتالي، فإن التدمير هو سابقة للتوسع والهيمنة والبطش ولاشكال الاستعمار الجديد، وانا اعلم تمامًا ان ما حصل في النبطية ومحيطها وما زال يحصل لأن تفاهمات نوفمبر الماضي الغامضة لم تكف لوقف العدوان، لقد حصلت مئات الخروقات لهذه الترتيبات، وحصلت عمليات اغتيال فاقت الـ 200 حالة منذ اعلان وقف اطلاق النار ، ولم يتوقف العدوان والمحاولات الاخيرة في الايام الماضية لاعادة احياء او تعديل او تعزيز وتحصين الترتيبات التي توصلنا اليها في نوفمبر الماضي لم تتقدم.
واشار الى ان :القلق على اوضاعنا هو في اوجه والخوف من تزايد الدمار قائم ويجب اعادة الإعمار لكي نثبت لانفسنا قبل ان نثبت للآخرين او لعدونا بأننا جاهزون لاعادة الاعمار عندما تتيسر لنا سبل ذلك، نحن جاهزون ونعلم ما دمر وما يجب اعادة ترميمه، وما يجب اعادة بنائه من الاساس لسوق النبطية، وبالتالي نحن نتحضر ولا نستسلم بأن هذا قضاء وقدر، بل هذا عدوان وهذه جريمة بحق ترابنا وتراثنا ولن نقبل بذلك وسنعود ونبني كل ما دمر وافضل مما كان عليه.
وقال سلامة: ان اجتماعنا اليوم هو صورة من صور عدم القبول ورفض وتنديد بالعدوان الذي جرى ويجري علينا ، وبالتالي فان هذه الوزارة وبامكانياتها المتواضعة وبالامكانيات التي تسعى للحصول عليها خلال الاشهر المقبلة لن تتوقف لحظة عن اعادة البناء او الاسهام في اعادة بناء ما تم تدميره وان لم نحصل على مساعدات خارجية لانه لدينا امكانيات من الارادة بما يكفي لنقوم بذلك بأنفسنا.
واضاف: عملت جمعية بلادي على دراسة ما يقارب الـ 400 عقار في منطقة النبطية والقرى الخمس المحيطة بها، ونأمل ان تتمكن من توسيع رقعة البحث الى مناطق اخرى في جنوبنا العزيز، ونأمل ان تنتهي مرحلة الضغط علينا من خلال منعنا من الوصول الى الرساميل الضرورية لاعادة الاعمار وهذا ما يزال ساريا، الا ان الحكومة تعمل بكل امكانياتها لوقف هذا الحظر المالي المفروض علينا لكي نتمكن فعلا وبأقرب وقت ممكن من البدء في عملية اعادة الإعمار، ونحن نعي تمامًا اننا بحاجة الى ما يقارب 11 مليار دولار لاعادة بناء ما تهدم في الجنوب والضاحية والبقاع. ونعلم ان هذا المال غير متوفر على عكس سنوات سابقة حيث إننا حاليًا في حالة تنافس مع مناطق اخرى في منطقة الشرق الأدنى دمرت لأسباب اخرى نحن في حالة تنافس مع غزة التي تحتاج الى ما يقارب 70 مليار دولار ، وفي حالة تنافس مع سوريا حيث تقدر حاجتها ما بين 210 او 220 مليار دولار.
ولفت الى ان الظرف سيئ بالنسبة للمعونات الخارجية لان الدول التي نسعى اليها في المنطقة لمساعدتنا هي الدول نفسها التي يذهب اليها السوريون والفلسطينيون، وبالتالي فقد توازن بين هذه الحالة وتلك ان قررت فعلًا ان تسهم في اعادة الاعمار.
وتطرق الوزير سلامة الى خفض المساعدات من قبل الدول الاوروبية وتاثير حرب اوكرانيا وتنافس تلك الدول للانفاق على التسلح مما ادى الى انخفاض مريع في حجم تأمين المساعدات الخارجيةمن الدول الأجنبية.
وختم قائلًا: العدوان الذي جار علينا وادى الى الدمار لم ينته وقد يتفاقم، ونحن واعون لكل ذلك، وان العزم والاصرار على اعادة الاعمار والبناء يجب ان يكون بالنسبة نفسها من وعينا الظروف المالية التي نمر بها داخليا وخارجيًا وما وجودكم في هذه القاعة الا تعبير عن ذلك الاصرار والعزم .
من جهته، قال تابت: لقاؤنا اليوم قد يبدو بالنسبة للبعض وكأنه مجرد تعبير عن شكل من اشكال الترف العاطفي لا جدوى منه، في حين البلاد تعيش في ظل الاعتداءات الاسرائيلية حين تدور المسيرات فوق رؤوسنا وتتعرض قرى وبلدات الجنوب للقصف والدمار.
وأضاف: ترف عاطفي لا يجدي نفعًا، اذ يواجهنا تحدي الاعمار وضرورات اعادة البناء والعودة السريعة الى البلدات والقرى المدمرة واستعادة العجلة الاقتصادية والتعايش الاجتماعي، قد يعود البعض ليكرر مقولة الحجر والبشر، حاجات البشر للعيش والحياة لمواجهة تتعلق بحجارة مضى عليها الزمن، لكن هولاء ينسون ان هذه الحجارة بناها اجدادنا واهلنا بعرق جبينهم، فالحجارة هذه تتفاعل مع المحيط الذي بنيت فيه مع السهول والجبال والوديان، مع الساحات العامة والمسارات والاماكن العامة لتشكل ذاكرة الامس، والذاكرة هذه هي سلاحنا في مواجهة الهجمات الاسرائيلية والمشروع الصهيوني القائم على نموذج المستعمرة والاستيلاء على الارض لتبنى عليها مجمعات مستحدثة ينقل اليها ناس غرباء لا يربطهم بالمكان سوى اسطورة ارض الميعاد، مجمعات لا ذاكرة لها تبدو وكأنها اجسام غريبة عن المحيط الذي زرعت فيه.
وتابع: نموذج المستعمرة هذا تواجهه ذاكرة الاماكن عندنا، وذاكرة الامكنة هي ايضا ذاكرة الازمنة، فنموذج المستعمرة هو نموذج لا بعد تاريخي له سوى اسطورة تعود الى ما قبل الفي سنة بينما ذاكرة الامكنة هي ذاكرة تعددية من بيت الفلاح البسيط الى نوى حضارية واسواق تقليدية تطورت ونمت لتصبح مراكز تلاق وتبادل على مستوى المنطقة ككل. من مساكن وجهاء الى بيوت بناها الذين انتقلوا الى المدينة او الى المهجر إبان الانتداب الفرنسي وخلال السنوات الاولى للاستقلال ليعودوا الى قراهم ويبنوا فيها ما يشهد على نجاحهم في التصدي لمصاعب الهجرة.
وختم: الذاكرة التعددية هذه تشكل الاساس في اي مشروع اعمار يهدف الى الصمود في وجه المشروع التدميري الذي يحاول محو الامكنة ومحو الازمنة واقتلاعنا من ارضنا وترابنا . انه ليس بالترف العاطفي، انه مشروع مواجهة ومقاومة حقيقي لذلك فإن ما نتكلم عنه اليوم فعلًا هو جزء من مقاومتنا.
وقالت جوان فرشخ بجالي: إن التاريخ المعماري والتراث المادي للمنطقة بأكمله هو الذي يتعرض لخطر كبير، والهوية الاجتماعية والمعمارية والثقافية بأكملها لجنوب لبنان موضع تساؤل لأن فقدان مكان ما يعني قطع الارتباط به بين الأجيال، مشيرة الى ان منظمة بلادي غير الحكومية مشاركة في البيانات التي تم جمعها وتحليلها على عينة تمثيلية في قرى النبطية الخمس بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل (2023-2024).
ويعد تقرير بلادي الذي عرض خلال اللقاء وثيقة رائدة تسلط الضوء على حالة المباني التراثية بعد الغارات الإسرائيلية على بلدتي النبطية التحتا والفوقا وقريتي زوطر الشرقية والغربية وكفرتبنيت. وقدم التقرير اكتشافات حاسمة عن عواقب التفجيرات الإسرائيلية على التراث العمراني الكبير لهذا الجزء من جنوب لبنان، وخاصة المباني السكنية والأسواق والمساجد والمدارس التاريخية، التي تغطي الفترة من 1700 إلى 1950.
إنجزت هذه الوثيقة بعد أشهر من العمل في الميدان. كان فريق بلادي أول من قام بتقييم الاضرار على الابنية التراثية بعد وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024 ، وامتد العمل من ديسمبر 2024 إلى مايو 2025، وشمل التقرير حالة الـ389 التي تمّ إحصاؤها، وأوضحت بجالي ان المعلومات التي جمعتها بلادي على الأرض كشفت أن التراث المعرض لخطر التدهور في النبطية، والذي يقدر بنحو 25٪ من المباني التراثية قبل الحرب، يبلغ الآن أكثر من 75٪ نتيجة القتال الذي مزق هذه المنطقة. تظهر هذه النتائج خطر تحول جذري في تاريخ المنطقة.
بدورها قالت المهندسة المعمارية والمحاضرة في الجامعة اللبنانية والمديرة الأكاديمية في بلادي رنا دبيسي، انها اعتمدت على تعاون طلاب الهندسة المعمارية من الجامعة اللبنانية (UL)، الذين وقعت معهم المنظمة غير الحكومية مذكرة تفاهم، وكان انطباعنا الأول هو انطباع منطقة جردت من تاريخها ونسيجها الحضري وهويتها الثقافية. اندهش اهالي المنطقة والشركاء اولاً لرؤيتنا نتحدث عن تراث النبطية وأهميته، وكانوا متعاونين للغاية على الرغم من جروحهم.
اضافت تعرض العمل الميداني لتحديات أساسية، بما في ذلك عدم وجود جرد محدد مسبقا لهذه المباني التراثية، وعدم وجود خرائط أصلية يمكن للخبراء البناء عليها. لذلك كان عليهم أن يصنعوا خرائطهم الخاصة باستخدام الإبداع لتوثيق الأضرار التي لحقت بعد الحرب. ومع ذلك ، فإن النتيجة هي دقة نادرة: خرائط متراكبة تظهر المباني المتدهورة ولكن القابلة للاسترداد، وتلك التي تم تدميرها جزئيا وتلك التي تم تدميرها بالكامل. تحدد هذه الخرائط نفسها نوع المبنى وتاريخ بنائه وقيمته المعمارية وحالته الحالية.
وتكلم المهندس حبيب صادق عن ازمة التراث النبطاني حول القضايا الحاسمة التي تواجه صانعي القرار والمتخصصين في التراث، وواقع معالم التحدي بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان والدمار الذي لحق بمدينة النبطية وسوقها القديم واحيائها التراثية والضرر الذي لحق بالقرى المجاورة لها.