اخبار سعر صرف الدولار في لبنان

يشهد العالم ثورة تكنولوجية هائلة بقيادة الذكاء الاصطناعي الذي يُمثل حقبة جديدة في تاريخ البشرية مليئة بالتحديات والامكانات على حد سواء. وتُحدث موجة التغييرات المتسارعة قفزةً نوعيّة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بدءاً من طريقة العمل وأسلوب التفكير وصولاً إلى كيفية اتخاذ القرارات وتحسين الأداء والانتاجية. ومع التقدم المطرد، أصبح تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمعات أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فمنذ أن تمّ دمج تقنية "تشات جي بي تي" بصورة واسعة النطاق على أجهزة الكمبيوتر المكتبية في أواخر العام 2022، أحدث نشر أدوات الذكاء الاصطناعي، تحولاً مُذهلاً في الصناعات وسط مخاوف بشأن حدود قدرته.

آمال ومخاوف

وفي هذا السياق، كشفت جامعة "ستانفورد" عن النسخة السابعة من تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024، والذي ألقى الضوء على أبرز الاتجاهات في هذا المجال، من التطورات التقنية المتلاحقة إلى الآراء العامة حول هذه التكنولوجيا. وكشف التقرير عن تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في إنجاز العديد من المهام، مع مساعدة العمال على تعزيز إنتاجيتهم وتقديم أعمال بجودة أعلى.

التقرير قدّم تحليلاً شاملاً لاتجاهات رئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التطورات التقنية والتصورات العامة والديناميات الجيوسياسية، كاشفاً عن 10 نقاط جوهرية، تُشكل معالم رئيسية في مسيرة الذكاء الاصطناعي، أبرزها: تفوقه على الأداء البشري في بعض المعايير بدءاً من العام 2023، بما في ذلك تصنيف الصور والتفكير البصري وفهم اللغة الانكليزية، إنتاج الصناعة 51 نموذجاً للتعلم الآلي مقارنة بـ15 نموذجاً فقط من الأوساط الأكاديمية التي كانت رائدة في هذا المجال سابقاً، ازدياد تكاليف تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة بصورة ملحوظة. أضف إلى ذلك، تصدّر الولايات المتحدة المرتبة الأولى لعام 2023، بـ61 نموذجاً بارزاً، متجاوزة الاتحاد الأوروبي (21 نموذجاً) والصين (15 نموذجاً) في هيمنة أميركية واضحة في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي.

وشهد العام 2023 تطوراً هائلاً في تمويل مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، بحيث اجتذب القطاع 25.2 مليار دولار، أي ما يُعادل تسعة أضعاف استثمارات العام 2022 و30 ضعف المبلغ المُستثمر في العام 2019. وبذلك، شكّل أكثر من ربع إجمالي الاستثمارات الخاصة المُرتبطة بالذكاء الاصطناعي في العام 2023.

وفي ما يتعلق بالعمل، أشارت الدراسات أيضاً إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على سد فجوة المهارات بين العمال ذوي المهارات المنخفضة والعالية. كذلك لعب دوراً فاعلاً في تعزيز الاكتشافات العلمية، بحيث حقق عام 2023 تقدّماً إضافياً في ما يتعلق بإطلاق تطبيقاته ذات الصلة بالعلم، مُساهماً في تسريع التقدم العلمي ودفع عجلة الابتكار وتوسيع آفاق المعرفة.

وبحسب التقرير، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بصورة كبيرة على حياتهم في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة من 60 إلى 66 في المئة في العام 2023، في إشارة إلى تنامي ثقة الناس بإمكاناته في مختلف المجالات وعلى الرغم من ذلك، ازداد منسوب القلق بنسبة 13 نقطة مئوية بدءاً من العام 2022 من منتجات الذكاء الاصطناعي وخدماته، بحيث أفاد 55 في المئة من المستطلعين في العام 2023 بأنهم يشعرون بالقلق وعدم الارتياح.

محرّك اقتصادي قوي

يُعد الذكاء الاصطناعي من بين التقنيات النادرة التي تمتلك القدرة على تسريع النمو الاقتصادي عموماً، ما يجعله أداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة. إذ وصفه خبراء الاقتصاد بأنه "تقنية ذات أغراض عامة"، ما يعني إمكان تطبيقه في مختلف المجالات وتحقيق فوائد واسعة النطاق.

ومن المتوقع أن تُحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي ثورة إيجابية في الاقتصاد والمجتمع، بحيث تشير التقديرات إلى قدرتها على زيادة النمو الاقتصادي بصورة ملحوظة. وفقاً لتقديرات بنك "غولدمان ساكس"، يُتوقع أن يُعزّز الذكاء الاصطناعي الناتج المحلي الاجمالي العالمي بمقدار 1.5 في المئة خلال العقد القادم، مع مساهمة الولايات المتحدة بـ 0.4 نقطة مئوية، والأسواق المتقدمة الأخرى بـ 0.3 نقطة، والأسواق الناشئة بـ 0.2 نقطة.

ويُثير دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الاقتصاد تساؤلات مهمة تستدعي التوقف عندها، لا سيما تلك المتعلقة بنزوح أعداد كبيرة من العمالة وتأثيرها على سوق العمل. وبينما يتوقع البعض تحسيناً هائلاً في الانتاجية، لا يزال مدى تأثير هذه التقنيات غير مؤكد ويتطلب مزيداً من البحث والتحليل.

ثورة مزدوجة

في العام 2023، قام العديد من الدراسات بتقويم تأثير الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة، ما يوحي بأنه يُمكِّن العمال من إكمال المهام بصورة أسرع وتحسين جودة إنتاجهم. وأظهرت النتائج إمكاناته في سد الفجوة في المهارات بين العمال ذوي المهارات المنخفضة والعالية. في المقابل، حذّرت دراسات أخرى من أن استخدامه من دون إشراف مناسب قد يؤدي إلى انخفاض الأداء والانتاجية.

ولا تقتصر تأثيرات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل فحسب، بل تمتد إلى المجالات المالية للأعمال أيضاً. فقد أظهر مسح جديد لشركة "ماكنزي" نتائج إيجابية ملحوظة على صعيد التكاليف والايرادات في الشركات التي تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ أبلغت 42 في المئة من المنظمات التي شملها المسح عن انخفاض في التكاليف نتيجة تطبيقه، وأفاد 59 في المئة منهم بزيادة في الايرادات. وبالمقارنة مع العام السابق، ارتفع عدد الشركات التي أفادت عن انخفاض التكاليف بنسبة 10 نقاط مئوية مقارنة بالعام السابق ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يحقق مكاسب كبيرة في كفاءة الأعمال. تقرير "ماكنزي" لعام 2023 أظهر أيضاً ازدياد اعتماد المؤسسات على تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ أعلن أن 55 في المئة من المؤسسات تستخدمه الآن في وحدة أو وظيفة أعمال واحدة على الأقل، مقارنة بـ 50 في المئة في العام 2022 و20 في المئة في العام 2017.

من جهة أخرى، يشهد عالم استثمارات الذكاء الاصطناعي تطورات متباينة بحيث انخفض الاستثمار الخاص العالمي فيه للعام الثاني على التوالي، وإن كان بدرجة أقل من الانخفاض الحاد الذي حدث من العام 2021 إلى العام 2022. وعلى الرغم من انخفاض الاستثمار الخاص الكلي في الذكاء الاصطناعي العام الماضي، إلا أن التمويل الموجه للذكاء الاصطناعي التوليدي شهد ارتفاعاً كبيراً، بحيث تضاعف ثماني مرات تقريباً عن العام 2022 ليصل إلى 25.2 ملياراً. كما ارتفع عدد الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تموّل حديثاً إلى 1812 شركة، بزيادة قدرها 40.6 في المئة عن العام السابق.

مستقبل مفتوح

تدخل البشرية عصراً جديداً مفتوحاً على العديد من السيناريوهات والاحتمالات بفضل الثورة التكنولوجية المتسارعة، بحيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة فاعلة لتحقيق التنمية المستدامة وتحويل الاقتصاد العالمي نحو نموذج أكثر كفاءة واستدامة، ويُبشّر بإضافة تريليونات الدولارات إلى القيمة الاقتصادية العالمية من خلال تعزيز الانتاجية عبر مختلف القطاعات. وبحسب توقعات تقرير"PWC"، من المتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي نهضة اقتصادية غير مسبوقة خلال السنوات المقبلة، مع إمكان إضافة ما بين 15 و20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030.

بينما تُحدث ثورة الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية في مختلف المجالات الاقتصادية، لا ينبغي تجاهل المخاطر الأخلاقية والتحديات الوظيفية التي تُرافقها، إذ يتطلب ذلك تعاوناً شاملاً لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بصورة مسؤولة لتحسين النمو الاقتصادي وخلق مستقبل أفضل للبشرية.