هل يدقّق «المركزي» بـ قروض الـ 8 مليارات دولار؟
اخبار سعر صرف الدولار في لبنان
محمد وهبة -
في مطلع 2020، قدّم حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، هدية لمجموعة من المصارف المحظية هي عبارة عن 8 مليارات دولار، أو ما يساوي 39% من مجموع السيولة الخارجية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان.
ادّعت هذه المصارف أنها تحتاج إلى تغطية تجاه التزامات خارجية، بينما توزّع هذا المبلغ على الأكبر منها، لأنها كانت تهيمن على السوق مع سلامة، إذ نال مصرف واحد 32%، فيما بلغت حصّة أربعة مصارف 88%، و97% من المبلغ تقاسمته ستة مصارف. وباستثناء تحقيقات القاضية غادة عون، لم يُجر مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف أي تدقيق في هذه الأموال ومدى الحاجة إليها ووجهة استعمالها الفعلية. كل ما نعرفه أن هذه الأموال حوّلت من حسابات مصرف لبنان إلى المصارف الأكبر.
في نهاية 2018 بلغت قيمة السيولة الموجودة في حسابات مصرف لبنان الخارجية نحو 32 مليار دولار. وفي مقابلها أدرج تحت باب أصول مصرف لبنان بالعملات الأجنبية في بند «قروض مضمونة بسندات وإيداعات» رصيداً يبلغ 1498 مليون دولار. وفي نهاية السنة التالية، تقلّصت قيمة السيولة الخارجية إلى 24.2 مليار دولار، فيما ازدادت قيمة القروض المضمونة بسندات وإيداعات إلى 5451 مليار دولار.
وفي الأشهر التالية، أي في كانون الثاني وشباط وآذار 2020 بدأت تتقلص قيمة السيولة وتزداد قيمة القروض. في نهاية آذار بلغت قيمة السيولة 20.4 مليار دولار، وبلغت قيمة القروض 8.01 مليارات دولار.
في تلك المدة، لم يكن هناك تمييز واضح بين الدولار الفريش وسواه من الأسماء التي أطلقت على الدولار المحلّي. لذا، لم يكن واضحاً ما هو نوع العملة التي أقرض بها مصرف لبنان المصارف. غير أنه بحسب المطلعين، فإن القروض كانت بشكل أساسي على شكل تحويلات من السيولة الخارجية إلى حسابات المصارف في الخارج. وهذه القروض كانت تمنح للمصارف بضمانة ما لديها من إيداعات لدى مصرف لبنان والسندات المحلية مثل اليوروبوندز مقابل فائدة بنسبة 20%، كما أعلن رياض سلامة في تلك المدة.
وما يعزّز الشكوك في أن القسم الأكبر من هذه الأموال هي «فريش» هو أن مدير القطع في مصرف لبنان نعمان ندور، أقرّ أمام القاضية غادة عون بأن المصارف حصلت على قروض بقيمة 7.65 مليارات دولار في الفترة الممتدة بين 10/11/2019 و31/12/2020، وأنه حُوّل منها إلى الخارج مبلغ 3.426 مليارات دولار.
وبحسب إفادة ندور، فإن هذا المبلغ توزّع على: بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، بنك ميد، بنك بيروت، بنك الاعتماد المصرفي، بنك الاعتماد اللبناني، مصرف سوسييتيه جنرال. وتشير التحقيقات التي جرت في تلك المدة إلى أن بنك عودة حوّل إلى الخارج 1.096 مليار دولار (يتردّد بأن مجموع القروض التي حصل عليها من مصرف لبنان بلغ 2.7 مليار دولار)، وبنك ميد حوّل إلى الخارج مبلغ 523 مليون دولار (من أصل قروض بقيمة 1.9 مليار دولار)، وبنك سوسييتيه جنرال حوّل 933 مليون دولار (من أصل قروض بقيمة 1.1 مليار دولار)، وبنك بيروت، 466.5 مليون دولار (من أصل قروض بقيمة 537 مليون دولار)، والاعتماد اللبناني مبلغ 87 مليون دولار، والاعتماد المصرفي حوّل 230 مليون دولار.
لم يُعرف بالتحديد حجم المبالغ التي حوّلها بنك لبنان والمهجر لأنه وقّع تعهداً بأن يخصّص مبلغ 300 مليون دولار من المحوّل إلى الخارج للمودعين فلا يستعمله إلا في سبيل تسديد أموال المودعين، علماً أن هناك معطيات تشير إلى أن بنك لبنان والمهجر حصل على قروض بقيمة 1.5 مليار دولار.
جاء منح هذه القروض بحجّة أساسية، وهي أن هذه المصارف عليها التزامات في الخارج مثل العقود الائتمانية المأخوذة بضمانة سندات يوروبوندز أو مقابل ودائع، أو لتسديد التزامات تجارية، أو لتسديد فروقات بين قيمة الضمانة وقيمة العقد الائتماني... المهم أن هذه الذريعة وتنفيذ العمليات تمّ بشكل «سرّي» بين مصرف لبنان والمصارف من دون أي رقابة فعلية على استخدام الأموال.
فلم يعرف ما هي قيمة الالتزامات التي جرى تسديدها في الخارج، وقيمة الالتزامات المحلية المسدّدة، أو ما إذا كانت المصارف لديها هذا الكم من الالتزامات الذي حصلت مقابله على سيولة «فريش» بالعملات الأجنبية.
ويقول أحد المصرفيين، إن هذه القروض - السيولة، لم تكن مجانية، إذ إن مصرف لبنان فرض على المصارف تسديد فائدة نسبتها 20% سنوياً على المبلغ المقترض بضمانة الإيداعات لديه، لكن يثير الأمر سؤالاً أساسياً: بأي عملة سدّدت المصارف المقترِضة فائدة القرض وأصله؟ فهل سدّدت المبالغ بالدولارات المحلية أم بالدولارات الفريش؟
يقول مصرفي آخر: الأكيد إن المصارف سدّدت بالدولار المحلّي ولم تدفع فريش، إذ إن مصرف لبنان عمد إلى شطب قيم القروض من ودائعها لديه بينما هي سدّدت الفائدة بالدولار المحلي.
إذا صحّ مثل هذا الأمر، فإن المسألة تصبح في غاية الأهمية. فالمصارف التي حصلت على القروض تعزّزت أوضاع السيولة لديها مقابل مصارف أخرى كانت تعاني بحثاً عن السيولة. وليس واضحاً ما هو حجم التسديد الذي قامت به هذه المصارف من هذه القروض للمودعين. فهل دفعت للمودعين من هذه السيولة؟
حتى الآن لم يجر أي تحقيق بهذا الأمر في مصرف لبنان، بل الأمر متروك للقضاء. وهذا الأخير ليس لديه القدرة أو المعرفة التقنية على الفصل في هذه المسائل التي قد تعزّز استمرار مصارف على أخرى، لا سيما أن المصارف الكبيرة هي المستفيد الأكبر من هذه القروض على عكس المصارف الأصغر التي لم تكن لديها المعرفة بأن مصرف لبنان يمنح مثل هذه القروض.
هذا الأمر يفترض أن يدفع مصرف لبنان، الآن، على يد الحاكم كريم سعيد، إلى التدقيق في هذه العمليات وتبيين كلّ منها، لا سيما أن كل الادعاءات المتعلقة بأن المتبقي من أموال الاحتياطات بالعملات الأجنبية تعود للمودعين، فمثل هذا الأمر يعني أن عملية إعادة الهيكلة يجب أن تأخذ في الحسبان من حصل على القروض وما هي الحصص التي سيحصل عليها الآخرون في المقابل وبأي طريقة وبأي كلفة.
وفي كل الأحوال، فإن هذه المعطيات تؤكّد أن مصرف لبنان كانت لديه علاقة وثيقة مع مجموعة من المصارف يعطيها «هدايا» باستمرار من أجل إنقاذها وتنفيذ سياسات مصرفية. فالمصارف الصغيرة تقاد وراء ما تقوم به المصارف الأكبر باستمرار.