جسر سليم سلام: هدر المال العام بقيمة 6.8 ملايين دولار
اخبار سعر صرف الدولار في لبنان
تعود فضيحة تلزيم جسر سليم سلام إلى الواجهة، من بوابة قرار لديوان المحاسبة، كأشهر التلزيمات المفضوحة، وتكشف نداء الوطن النقاب عن قرار الديوان الصادر عام 2024 للمرة الأولى، والذي يقر بأن حجم الهدر بتلزيم المشروع الذي كلف 13 مليار ليرة (8 ملايين دولار في حينه)، يقدّر حجم الهدر بأكثر من 6.8 ملايين دولار، أي أنّ كلفة الأعمال الحقيقية لم تتجاوز ربع كلفة الأموال التي دفعتها البلدية، وهو ما جعل الديوان يغرّم المحافظ زياد شبيب ورئيس البلدية السابق جمال عيتاني والأعضاء الذين وافقوا على قرار التلزيم، بسبب مخالفات مالية ألحقت الضرر بالمال العام نتيجة الهدر الحاصل في عملية تلزيم صيانة وتأهيل جسر سليم سلام.
وكان قرار موقت للديوان قد أقرّ بحجم الهدر عام 2021، طالباً الدفوع الشخصية للمحافظ ورئيس البلدية وأعضاء البلدية الذين وافقوا على المشروع، ليأتي القرار النهائي بتاريخ 7/5/2024، ليطبق في حقهم الحد الأقصى للغرامة وفقاً للمادة 63 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة.
فما هي تفاصيل القرار النهائي، وما العناصر التي استند إليها لتثبيت حجم الهدر؟
6.8 ملايين دولار هدراً
يعود ملف الهدر في أعمال جسر سليم سلام، للقرار البلدي رقم 632، بتاريخ 27/7/2017، الذي يُقرّر بالأكثرية، الموافقة على مضمون محضر جلسة لجنة المناقصات البلدية عدد 25 تاريخ 13/7/2017 القاضي بإعلان العارض، شركة أنطوان مخلوف للتجارة والمقاولات ش.م.ل، ملتزماً موقتا للقيام بأعمال تأهيل جسر سليم سلام في مدينة بيروت، وذلك لقاء مبلغ إجمالي قدره 13272388250 ل.ل، أي قرابة 8.8 ملايين دولار.
في 16/3/2021، صدر عن ديوان المحاسبة في الرقابة القضائية على الموظفين، قرار 7/ر.ق موقت، رقم الأساس 34/2019، حول المخالفات الناجمة عن مشروع صيانة وتأهيل جسر سليم سلام، طلب بيانات دفاع عن المخالفات المنسوبة للمحافظ السابق لبيروت ز. ش، حيث رأى القرار أنه استلمت أشغال وصرفت أموال عامة إلى المتعهد دون وجود أي رقابة دقيقة وفعالة ومتابعة يومية على أشغال تأهيل وصيانة جسر سليم سلام.
وكذلك طلب القرار بيان دفاع من رئيس البلدية السابق ج. ع. عن المخالفة الناجمة عن الطلب إلى الاستشاري إعداد دفتر شروط ودراسة تقريرية للأسعار واستلامهما دون اتباع الأصول القانونية للتعاقد، وكذلك لجهة المادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، لجهة عقد نفقة خلافاً لأحكام القانون ووضع معاملة قيد التنفيذ لم تعرض على ديوان المحاسبة.
هذا وطلب القرار من أعضاء المجلس البلدي الذين صوتوا على القرار رقم 632، إضافة إلى المهندسين، أعضاء لجان الاستلام للمشروع، بيانات دفاعهم عن الاهمال والتقصير وإلحاق الضرر بالمال العام استناداً إلى أحكام المادة 60 بسبب الهدر الحاصل في الموافقة على تلزيم وتأهيل وصيانة جسر سليم سلام إلى شركة أنطوان مخلوف للتجارة والمقاولات بمبلغ يتجاوز القيمة التقديرية بحوالى عشرة مليارات ليرة لبنانية.
القرار النهائي للديوان: إدانة لا تقبل الشك
بعد ثلاث سنوات على قرار ديوان المحاسبة الموقت، أتى قرار ديوان المحاسبة في الرقابة القضائية على الموظفين، رقم 10/ر.ق/نهائي، حول المخالفات الناجمة عن تأهيل وصيانة جسر سليم سلام، برئاسة الرئيسة جمال محمود والمستشارين ناصيف ناصيف وأفرام الخوري، في الهدر الحاصل في تلزيم جسر سليم سلام.
واستند القرار إلى ما كشفه القرار الموقت، حول تقرير الخبير المهندس م. ح المكلف من ديوان المحاسبة، الذي أجرى كشفاً على مواقع العمل واجتمع إلى الاشخاص المعنيين بأشغال تأهيل وصيانة جسر سليم سلام، كما أطلع على مختلف الفواتير والمستندات المتعلقة بالكلفة الفعلية للمشروع بما فيها النفقات التي سددها متعهد المشروع شركة انطوان مخلوف للتجارة والمقاولات إلى المتعهدين الثانويين، وبنتيجة ذلك توصل إلى تحديد كلفة المشروع وإجراء المطابقة مع أسعار المتعهد وإظهار الهدر الحاصل في عملية التلزيم.
وقد تضمن القرار الموقت جدولاً مفصلاً بأسعار الملتزم ومقارنة مع أسعار الخبير المستندة إلى فواتير المشتريات والموردين وذلك كله استنادا إلى التقرير المفصل للخبير.
وقد تبين من تقرير المهندس أن كلفة المشروع الفعلية يجب أن تكون 2,964,375,702.00 ل.ل، وأنّ تلزيم المشروع إلى شركة أنطوان مخلوف للتجارة بقيمة 13,272,388,250.00 ل.ل، يظهر هدراً بقيمة 10,308,012,548.00 ل.ل. أي ما يعادل 6,835,551.00 $ (6.8 ملايين دولار) على سعر صرف 1500 ليرة.
واستند الخبير في تحديد الأسعار الفعلية لقيمة الصفقة إلى عدة عناصر، أبرزها أن المجلس البلدي شهد تحفظاً من بعض أعضائه على سعر الصفقة، ما يؤكد أن مسألة السعر كانت موضوع بحث في اجتماع المجلس البلدي وما يجعل من هذا المجلس على علم مسبق وواضح بأن ما توصلت إليه نتيجة فض العروض لم يكن في صالح البلدية، ورغم ذلك فإن المجلس البلدي وافق بالأكثرية على محضر فض العروض والنتيجة التي توصل إليها رغم أن المسألة كانت تستوجب منه تدقيقاً في مدى توافق الأسعار مع الواقع ومع مصلحة البلدية لا سيما في ظل وجود دراسة غير دقيقة وغير رسمية لكلفة المشروع بعد أن صححت شركة دار الهندسة نزيه طالب ومشاركوه الخطأ المتعلق بالقيمة الإجمالية لكلفة المشروع فأصبحت $7605000 بدلاً من $9246600 .
وبحسب قرار الديوان أيضاً، فإن قرار المجلس البلدي في هذا الشأن يظهر تقصيراً فاضحاً وإهمالاً أسفر في نهاية الأمر عن عقد نفقة ينطوي على هدر مبالغ كبيرة كان يمكن تداركه لو أعيد النظر في مدى اعتدال أسعار المتعهد.
وشدد قرار الديوان على أن الاهمال والتقصير والحاق الضرر بالمال العام كلها تشكل مخالفات مالية تقع تحت أحكام المادة 60 الفقرتان 8 و10 والمادة 61 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة الصادر بالمرسوم الاشتراعي 1983/82 وتنسب إلى السادة رئيس وأعضاء المجلس البلدي الذين وافقوا على محضر لجنة المناقصات رقم 25 تاريخ 2017/7/13 بموجب القرار البلدي رقم 632 تاريخ 2017/7/27 .
قرار ديوان المحاسبة
كل هذه المعطيات، أسفرت عن قرار قضائي اتخذ بالإجماع في غرفة المذاكرة في بيروت، قرّر فيه ديوان المحاسبة بصورة نهائية وفي نطاق الرقابة القضائية على الموظفين: في الشكل قبول بيانات الدفاع المقدمة من الأشخاص المنسوبة إليهم المخالفات.
أما في الأساس، فقرر الديوان تطبيق الحد الأقصى للغرامة وفقاً للمادة 63 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة بحيث تصبح الغرامات المحكوم بها كما يلي:
- رئيس البلدية السابق وأعضاء المجلس البلدي، الذين وافقوا على المشروع: تغريم كل منهم بمبلغ مليون وخمسماية ألف ليرة لبنانية عملاً بالمادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة الصادر بالمرسوم الاشتراعي 83/82، إضافة إلى تغريم كل منهم بغرامة تعادل راتبه غير الصافي في حال تقاضيه راتباً أو مخصصاته عن ستة أشهر بتاريخ ارتكاب المخالفة عملاً بالمادة 61 من القانون نفسه بسبب، الضرر الذي لحق بالمال العام نتيجة الهدر الحاصل في عملية تلزيم صيانة وتأهيل جسر سليم سلام.
أما في ما يتعلق بالمحافظ ز. ش، فتغريمه بمبلغ مليون وخمسماية ألف ليرة لبنانية سنداً للمادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة (المرسوم الاشتراعي 83/82) إضافة إلى تغريمه بمبلغ يعادل راتبه غير الصافي في حال تقاضيه راتباً أو مخصصاته بتاريخ ارتكاب المخالفة عن ستة أشهر سنداً للمادة 61 من القانون نفسه بسبب الضرر الذي لحق بالمال العام والناجم عن الهدر في عملية تلزيم صيانة وتأهيل الجسر.
هذا عدا عن تغريم أعضاء لجنة الاستلام، المهندسين، وإبلاغ وزارة المالية – مديرية الخزينة من أجل تحصيل الغرامات المحكوم بها.
هل تتحرّك النيابة العامة لدى الديوان؟
المحامي علي عباس، الذي عمل على ملفي نفق وجسر سليم سلام، وكان قد تقدّم بإخبارات تتعلق بكل منهما، يعلق على قرار ديوان المحاسبة بالقول اليوم كنّا جميعاً بانتظار ديوان المحاسبة لنرى كلفة الأعمال المنفذة فعلياً على الأرض والتي تبين أن قيمتها تتعدى 10 مليارات ليرة، وفق تسعيرة دولار الـ 1500 أي أكثر من 6 ملايين دولار.
وعن أهمية القرار، يقول عباس عندما صدر هذا القرار أثبت إخلالاً بالواجبات الوظيفية واليوم هناك هدر للمال العام، وبما أنه تم إبلاغ النيابة العامة في ديوان المحاسبة بقرار الديوان، من المفترض أن تقوم النيابة العامة بدورها بالإطلاع على طبيعة هذه الأفعال المثبتة وما إذا كانت لديها صفة جرمية، تقع خارج نطاق اختصاص ديوان المحاسبة، بهدف تحويل الملف إلى النيابة العامة التمييزية إن لزم الأمر، ليتم السير بالإخبارات الموجودة سابقاً، ومحاسبة مرتكبي تلك العقوبات.
هذا الملف وهو من أكبر فضائح بلدية بيروت، ليس إلا واحداً من عشرات الملفات، التي حصل فيها هدر ممنهج بالمال العام، في بلدية هي الأخطر، نسبة لحجم التلزيمات المشبوهة وهدر المال العام فيها.
والمطلوب فتح كل هذه الملفات للتلزيمات المشبوهة بالتوازي، وصولاً للتدقيق الجنائي الكامل في تلزيمات ومشاريع بلدية بيروت. فالمحاسبة وحدها، تضمن وضع البلدية الفائزة في الانتخابات يوم الأحد المقبل، تحت مجهر المحاسبة، ليفكر أعضاؤها - ألف مرة - قبل ارتكاب تجاوزات في المال العام والبلدي، عوض أن يفكروا من أين تؤكل الكتف، ويؤكل معها حق بيروت بمجلس بلدي تستحقه العاصمة وأهلها!